حكاية القرية الطيبة والتاجر

كان ياما كان .. بلدة صغيرة جدا بجانب البحيره التي بين الجبال ... بلدة بعيدة  .. لايملك احد خريطه لها ...
كان الناس طيبون ..بسطاء لايعرفون من الدنيا سوي ان يمعلوا ويشاركوا بعضهم ما ينتجون، 
فلم يكن هناك نقود ولاذهب .. من ينتج البطاطس يبادلها مع جاره منتج البيض او مع جارته صانعه السمن ..

عاش الناس سعداء ...يتبادلون الابتسامات والتحيات كلما اجتمعوا في مكان، وكان حكيم القريه تلك رجلا مبجلا .. له كل احترام من الناس يلجأون اليه كلما واجهوا مشكله، 
وكانوا ينتجون بقدر ما يستهلكون ويصطادون من الجبال المحيطه بهم والغابات بقدر ما يحتاجون فقط ... لهذا كانت الغابه مليئه بالخيرات ...والاشجار في كل مكان ، والمخلوقات آمنه ...

مرت الايام ...تلو الايام
حتى ذات صباح ...قدم الي القريه رجل يحمل جوالا كبيرا .. يبدو عليه الثراء ويركب حمارا ابيض كبير ..
استغرب الناس وجوده بينهم ولكنهم لطيبتهم لم يسألوه لماذا جاء الي قريتهم !!
جلس ذلك الرجل اسفل احد الاشجار الكبيره
وراح يبني لنفسه خيمه جميله ...
شاهده المارة ... وتوقف بعضهم ليسألوه ان كان يريد مساعدة ما او طعاما

بعد عده ايام اعتاده اهل البلده ...وكانوا يلقون عليه التحيه في ذهابهم وايابهم من اعمالهم
حتي ذات يوم اوقف احدهم وتبادل معه حديثا وديا ..

قال الرجل الغريب: هذه الشجره ذات الاخشاب العظيمه ملك من ؟
رد عليه الرجل: ليست ملكا لاحد انها ملك الجميع كل من يريد النوم تحتها ملكه ومن يأكل ثمرها ملكه واغصانها حطب نار افراننا جميعا ودفء منازلنا شتاءا ...

سأل الرجل الغريب: حسنا واين كبير التجار هنا؟

رد الرجل مستغربا: اي كبير تجار ..ما هي التجاره .؟؟
نحن نتبادل ما نريده لبيوتنا ...ونستهلك بقدر ما نحتاج

التمعت عيني الرجل الغريب وقال: حسنا سوف اعطيك قطعة نقود ذهبيه ..واشتري منك خشب هذه الشجره ..وسوف احضر لك من المدينه البعيده ما تحتاج من ملابس جميله واشياء لم تشاهدها من قبل.

 
تردد الرجل فهو لا يعرف ما هي النقود ولا الذهب ولكنه كان يريد ان يجرب!!

 
في صباح احد الايام ..ارتبك الناس وهم يشاهدون التاجر وقد احضر حطابا وراح يقطع الشجره .. وقد عرفوا من الرجل الذي تعامل معه بامر النقود وشاهدوا ما اتى به من المدينه ... ملابس جميله واشياء لم يشاهدوا مثلها ابدا

ذاع امر التاجر وراح الجميع يتعاملون معه ، اعطي الجميع نقودا وراح يشتري منهم اشجار الغابه وطيورها الملونه، و اسماك البحيره ولؤلؤها واللبن والسمن والمزروعات كل شيء كل شيء ..

تغيرت القريه جدا جدا ..
صار الناس اكثر قسوه ...وجشعا ..
اذا تلاقوا في مكان تحدثوا فقط في تجارتهم
وعن البيع والشراء
كان التاجر قد فرغ جواله الذي يحمله من الاموال ...
ولكنه ملأ خزائنه من كنوز تلك القريه البسيطه واهلها الطيبون ...

كانت الغابه والبحيره والقريه كلها تنهار عندما ..خطب الحكيم العجوز في الناس
قائلا: احبتي الطيبون ..ان التاجر سلبكم اجمل ما فيكم ..وكسب هو المال وخسرتم انتم بلدتكم وهدوء قلوبكم ..وغنى غابتكم وخيرات بحيرتكم التي وهبكم الله اياها ..

...تجاهل الناس كلامه ولاول مره لم يستمع اليه الا قله
حزن الحكيم لما وصلت اليه بلدته ولكنه ظل يتحدث الي الناس ليل نهار

حتي ذات يوم وقد استهلك التاجر اجمل الطيور واطول الاشجار واشرفت القريه على
غابه محطمه ...وبحيره شحيحه الاسماك ..

غادر التاجر كما اتى ...
ساد الهلع بين الناس ..ماذا يفعلون؟ 

ذهبوا الي الحكيم وقد كسا الحزن ملامحهم
قال الحكيم: لقد تغير الحال وصار لزاما ان نعمل بجهد اكثر حتي نعوض خسائر القريه البيئيه
ولا ضير في بعض التجاره ..

راح الناس يتعاونون لاصلاح تلك الاضرار بقدر الامكان ..وليس في ايديهم الا العمل والانتظار
للاسف تعلموا درسا قاسيا

وعندما اتي الشتاء ..كان مكان الشجره خاويا
ان المال لا يعوض ابدا دفء القلوب
ولا يصنع للانسان قلبا سعيدا
لم تعد القريه كما كانت ...لكنها صارت اقوى من تلك التجربه الصعبه ..