كان الداخل إلى مدخل عمارتنا يُفَاجأ بخطٍّ مرسوم في وسطه، من أوّل المدخل إلى آخره. أنا رسمتُ هذاالخطّ؛
لأنّ مكيّفات الدور الأول والثاني تُنَقِّط على الأرض، وقد عانيتُ كثيرًا من هذه النُّقط، فقرّرتُ أن أرسم خطًا
كي أتجنّب أنا وغيري الجزء المبلول. لكنّ المشكلة لم تنته، فنُقَطُ الماء تتجمّع وتسيل حتّى تصل إلى نُقط
الماء المتجمّعة من مُكيّف آخر وهكذا... وبقليل من التُّراب فوقهايتشكّل لدينا طين!
وفي يوم من الأيام وأنا عائد من المدرسة وقفتُ أنظر إلى المكيّفات،والنُّقط تتساقط منها، ماذا أفعل؟
وفجأة صرخ صديقي من خلفي مازحًا، وهو على درّاجته يريد أن يدخل، فأسرعت بالدُّخول،
فدستُ الماء، وزلّت قدمي.ومن فضل الله أنّي سقطتُ على كفيَّ، فلم أُصبْ
بأذى كبير إلا أنّني تلوَّثت بالطّين...
لم تُفارقني صورة المُكيّفات و نُقط الماء، مع أنّني أتألّم قليلاً من سقوطي، وفي لحظة من
اللحظات خطرت ببالي فكرة... ذهبتُ مباشرة إلى أخي الكبير في عمله، وقلت له:
- أخي الحبيب، ما رأيك فيَّ ؟
قال الأخ:
- هذا لا يحتاج إلى سؤال. أنتَ أفضل ولد في عيني، مجتهد وذكيّ ومؤدّب! ولكن لماذا تسأل؟
قال الصغير: - أرجوك يا أخي، لي طلبٌ أرجو أن تُحقِّقه.
ردّ الأخ الكبير: - طبعًا سأُحقِّقه لك، فأنت صاحب أفكار أكبر من سِنِّك!
قصّ الصغير مشكلة نقط الماء، ثُمّ تابع:
- أريد أن تساعدني على تركيب خرطوم من المكيّف إلى الأرض، ثُمّ نحفر حفرة صغيرة تحت كلّ مُكيّف؛
لنزرع ريحانًا في حفرة، وعريشة عنب في أُخرى، وفي الثالثة شُجيرة، وهكذا... والماء يُنقّط في
هذه الحفر! سُرَّ الأخ بهذه الفكرة سُرورًا عظيمًا، ولم يتأخّر في تنفيذها. ليتكَ -يا صديقي القارئ -
ترى مدخلنا الآن ما أجملَه! حتّى إنّنا صرنا عندما نُنظّف الدرج والمدخل نسحب ماء التنظيف
إلى هذه الحفر الصغيرة...
ثُمّ أتيت أخي مرّة أخرى بعد مُدّة، وعرف أنّني أحمل إليه فكرة جديدة، فبادرني بتقدير:
- ما الجديد عندك يا أستاذ؟
قلتُ له: - سأدخل بالموضوع مباشرة. مغسلة الملابس التي في عمارتنا...
قاطعني أخي مازحًا: - ما بها ؟ تُنقّط ماء ؟
أجبته على الفَور: - ما شاء الله ! كيف عرفتَ ؟ نعم ، تُنقّط ماءً !
قال أخي: - كنتُ أمزح . تفضّل تابع .
قلتُ له: - هل رأيت أنبوب الماء الذي يخرج منه البخار من الصباح إلى المساء؟
ردّ أخي: - أجل، رأيته.
قلت له: - ما رأيكَ أن نضع فوق فُوَّهتِه غِطاءً مائلاً مُتَّصلاً بخرطوم تحتها؟
الأخ الكبير: - و ماذا بعد ذلك؟
أجبته: - نحفر حفرة صغيرة، نزرع فيها هذه المرّة نخلة، ونمدّ الخرطوم إليها...
والآن كبرت النّخلة، وصار اسمها: نخلة البخار، وأمّا الزّرع في المدخل فصار اسمه: ريحانة المكيف،
وشجرة المكيف, وعنب المكيف....