كان يعيش في إحدى المدن الكبيرة ملك عظيم، متعالً غرور، وذات يوم جمع الملك حاشيته وقال لهم بفخر:
- أنا ملك الملوك.. أنا سيد العالم، وجميع المخلوقات من بشر وحيوانات خدم لي وحدي..
صفّق الحاضرون وهللوا لكلام الملك، وإذا بصوت قوي جهوري عال يقول:
- كلا – أيها الملك المبجل- أنت مخطئ، فكل البشر خدم لبعضهم البعض.
ساد المكان صمت رهيب مرعب، وتجمد الدم في عروق الناس خوفاً من بطش الملك، فصرخ الملك غاضباً متوعداً:
من المتمرد الخائن الذي يدّعي أني خادم أيضاً !!!؟؟؟
وقف شيخ كبير ناحل الجسم ذو لحية بيضاء طويلة يتوكأ على عصا قائلاً:
- أنا – يا سيدي- رجل من عامة الشعب، ليس في قريتنا ماء، ونكاد نموت من العطش،
جئت لأطلب منك أن تحفر لنا بئراً نشرب منها ونسقي حيواناتنا وأرضنا!!!
ردّ الملك بغضب شديد: أنت متسول عجوز وتملك الجرأة والوقاحة لتقول بأني خادم!!
أجاب العجوز بثقة: كلنا نخدم بعضنا البعض، حتى أنت يا جلالة الملك المبجل!!!
تعجّب الملك من كلام العجوز وقال بعصبية: هيا أجبرني أن أخدمك، وإذا فعلت ذلك، فسأحفر
في قريتك بدل البئر ثلاثة آبار، وإذا فشلت فسأضرب عنقك بحد السيف وأجعلك عبرة للناس!!!
سكت العجوز برهة ثم قال: من عاداتنا حين نقبل التحدي أن نلمس أقدام من نتحداه،
لذلك – أيها الملك المعظم- أمسك عصاي هذه حتى ألمس قدميك..
أمسك الملك بالعصى، فانحنى العجوز ومسّ قدمي الملك، ثم وقف قائلاً للملك:
- شكراً جزيلاً لك – يا مولاي- والآن أعد لي عصاي!!
أعاد الملك العصى للعجوز، فقال العجوز بحب: أرأيت يا مولاي كيف نخدم بعضنا البعض!!!!!!!.