كان ياما كان ، في سالف العصر والأوان . كان يعيش ببغاء يُدعى " فصيح " . وإذا كان القرد يقلد الحركات ؛
فإن الببغاء يقلد الأصوات ! .. ويقول صاحبه الصغير " إمام " : إنه يقلد صوت الإوزة :
ـ كاكاكاكاكا ! .. كاكاكاكاكا ! ..
ويصيح كما يصيح الديك :
ـ كوكوكوووو ! .. كوكوكوووو ! .. كوكوكوووو ! ..
ويقلد صوت " موتور " السيارة :
ـ فون فون .. فون فون فون ! ..
وصوت منشار النجار :
ـ فوت فوت .. فوت فوت .. فوت فوت ..
وأصوات الطيور والحيوانات .. وكل الأصوات .
ويغالب الضحك " إمام " وأخته الصغيرة " أميمة " ، إذ كانا ينصتان إليه من البداية ! ..
وأيضا ؛ يقلد " فصيح " ضحكهما ، ويشاركانه الضحك ! ..
ـ هاهاهاها ! .. هاهاهاها ! .. هاهاهاها ! ..
وما يلبث أن يحلق فوقهما ، ويحوم حولهما .. لقد اعتادا على مداعبته ، خاصة فى وقت الفراغ ..
وذات يوم ؛ استعد أصحاب الدار جميعا لزيارة أحد الأقارب . ولم يصطحبه صديقه هذه المرة ،
وقبل أن يغادرا ، تقدم له " أميمة " الحَب :
ـ تفضل الحَب يا " فصيح " ..
ـ شكرا " أميمة " .. شكرا " أميمة " .. هاهاها .. هاهاها !..
ويقدم " إمام " الماء :
ـ تفضل الماء ياصديقى :
ـ شكرا " إمام " .. شكرا " إمام " .. هاهاها .. هاهاها .. الحََب والماء .. الحَب والماء ..
ثم يقول له " إمام " :
ـ لن نتأخر كثيرا ياصديقى .. مع السلامة ..
ـ مع السلامة .. مع السلامة ..
كان الفأر " فوفو " واقفا أمام جُحره ، وما أن يرى " إمام " وأخته وأبويه يغادرون المنزل ،
ليختبئ خلف جذع شجرة بالحديقة ؛ قائلا في نفسه :
ـ يا لها من فرصة ذهبية ! .. لقد غادروا جميعا إلا " فصيح " .. يمكنني أن أتسلل إلى داخل المنزل
دون أن يراني ، أو يشعر بي .. وحتى لو رآني ، فإنه مجرد ببغاء لا يستطيع أن يفعل شيئا ..
المهم أنه ليس هرّا ، ولا هُريرة .. هههههها ! .. هههههها ! ..
وألقى " فوفو " نظرة نحو النافذة :
ـ يا للحظ ! .. لقد نسوا غلق النافذة .. هههههها ! .. هههههها ! .. انطلق يا " فوفو "
.. هجوووووم ! ..
لم يسبق لـ " فصيح " أن مكث وحده بالمنزل ، فسرعان ما أحسّ بالملل ، وانبرى يعبّر عن مشاعره :
ـ ما أصعب الشعور بالوحدة ! .. ماذا أفعل لكي أسلي نفسي ؟ .. فكر
وأرني فصاحتك يا "صفيح " .. أقصد " فصيح " ! .. هاهاهاه ! ..
يفكر " فصيح " قليلا ، وما يلبث أن يهتف فى فرحة :
ـ هذه هي .. يا لها من فكرة ! .. إنني عبقري ! .. هاهاهاه ! .. هاهاهاه ! ..
لم يكن قفص " فصيح " مغلقا ، فحين اشتراه " إمام " من مصروفه الخاص ؛ وجاء به إلى المنزل ،
طلبت منه الصغيرة " أميمة " ، أن يُغلق باب القفص ، حتى لا يهرب ، ولكن " إمام " قال لها :
ـ لا يا " أميمة " ، يجب أن يكون حرا ، فيطير في المنزل كما يشاء .. ولن يهرب طالما
نقدم له الغذاء والماء ..
ـ والقفص يا " إمام " ؟! ..
ـ القفص للطعام والمبيت ..
وبالفعل خرج " فصيح " من باب القفص المفتوح ، وطار هنا وهناك ؛ معبّرا عن فرحنه ،
ثم عاد إليه .. وعندئذ اقتنعت " أميمة " برأي أخيها :
ـ عندك حق يا " إمام " ..
وجعل " فصيح " يطير ويحلق ويحوم حول الثريا فى البهو الكبير ، وما أن سئم لعبة الطيران ،
ليسعفه تفكيره ، بممارسة لعبته المفضلة ، بترديد أصوات أهل الدار التي حفظها ، فتارة يقلد الأب :
ـ ذاكر دروسك يا " إمام " ..
ونارة يقلد الأم :
ـ إغسلي أسنانك يا " أميمة " في الصباح ، وقبل النوم ..
وثالثة يقلد " إمام " :
ـ لن نتأخر كثيرا يا صديقي ..
وتنطلق ضحكات " فصيح " :
ـ هاهاهاه ! .. هاهاهاه ! .. فكرة رائعة ! ..
كان " فصيح " مشغولا بتقليد الأصوات ، بينما تسلل الفأر " فوفو " من النافذة المفتوحة ..
يقف بالنافذة ، بينما كان يرقب " فصيح " الذي يواصل التقليد والضحك :
ـ لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد .. هاهاهاهاه ! .. هاهاهاهاه ! ..
ويُغبط " فوفو " نفسه ، قائلا :
ـ " فصيح " مشغول بالتقليد والضحك .. فلأغتنم الفرصة ، وأتسلل إلى المطبخ ..
ونزل الفأر " فوفو " زاحفا على الحائط .. وأصبح في البهو ، وعندئذ لمحه " فصيح " ! ،
ليهمس في استغراب :
ـ فأر ! .. إنه مخلوق عابث ومخرب ! .. ماذا أفعل ؟! .. ماذا ؟ .. ماذا ؟ .. آه .. هذه !
.. كأني ما رأيته .. يعنى : " لا مين شاف ولا مين دري " ..
ويواصل " فصيح " تقليد الأم والضحك :
ـ " إمام " ، يجب أن تغسل يديك قبل الأكل وبعده .. إشربي اللبن يا " أميمة "
.. هاهاهاهاه ! .. هاهاهاهاه ! ..
تسلل " فوفو " إلى المطبخ .. بينما تستمر ضحكات " فصيح " :
ـ هاهاهاهاه ! .. هاهاهاهاه !.
ويتسلق " فوفو " المنضدة ، بينما يغبط نفس :
ـ لم يرنى " فصيح " .. ما أسعد حظي ! .. المطبخ ممتلئ بما لذ وطاب من الأطعمة والمأكولات .
فلأنجز المهمة ..
توقف " فصيح " عن تقليد الأصوات والضحك ، وتنهد :
ـ لعبة مسلية لولا هذا الفأر هادم اللذات .. بالطبع لم يدخل المطبخ ليغسل الصحون ! ..
وأنصت " فصيح " بكل سمعه .. علته الدهشة :
ـ ماذا ؟! .. أسمع قرضا ! .. ماذا يقرض الفأر ؟ .. سيخرّب المطبخ .. يجب أن أتصرف ..
فكر بسرعة يا " فصحصح " ..
ويفكر " فصيح " ، ويبدو أن جاءته فكرة :
ـ رائع يا " فصيح " ، بل أكثر من رائع ! .. إن الفأر يخاف من القط .. فلأستخدم ميـْزتي و ..
وما أسهل مواء القط ! ..
ويموء " فصيح " :
ـ مياو .. ميااوو .. مياااووو .. ميااااوووو ! ..
يسمع " فوفو " المواء ، فينتفض :
ـ ماذا ؟! .. يا لحظك النحس يا " فوفو " ! .. من أين أتى هذا الوحش ؟! ..
ويواصل " فصيح " المواء :
ـ ميااااووووو .. مياااااوووووو !
اشتد انزعاج " فوفو " :
ـ يا للهول ! .. أكاد أموت رعبا .. لو انتظرت لحظة .. سيهجم علىّ و .. وأصبح فى خبر كان ..
فلأعُد مسرعا من حيث أتيت ..
وما يلبث أن يولى الفأر مدبرا.. يراه " فصيح " ، فما يلبث أن يحلق فرحا بين ضحكاته :
ـ هاهاهاهاه ! .. نجحت ! .. نجحت ! .. هاهاهاهاه ! .. هاهاهاهاه ! ..
لم يكن " فصيح " مجرد مقلدا ، ولكنه أثبت أنه عبقري ، وأنه حارس أمين ..
سُئل إمام ذات مرة :
ـ لماذا أسميت ببغاءك " فصيح " ؟ .. فقال :
ـ لأنه " غلباوي " و" رغاي " وكثير الكلام ! ..
ويعلو صوت " فصيح " :
ـ مع السلامة .. مع السلامة ! . ،،،